الثلاثاء، 23 أبريل 2013

شُكراً أمي !



(1)

في السّاعَةِ الثانية صباحاً عجّ صراخُ ذَلِكَ الطِفلِ الأرجاءْ ، نَظرَتْ والدَتهُ إليه
وحبات العرقِ تتلألأ على جبينها كأنها أجرامُ الليل في حلكته ، وشحوبُ الموتى
انقضَّ على وجهها فافتَرسَ الإشراقَ الذي كانَ يشعُ منها ، و رغمَ التعبِ الذي
يَلفُها لم يمنعها ذلِكَ مِنَ الابتسام فرحاً بمقدَمِ أميرها الصَغير !



(2)

سقطتْ على رُكبتيها وهي تَمسَحُ على وجهها بِهَمٍ يجثُمُ على صَدرها ، عيناها
بدَت غيرَ مُصدِقَةً لِما يُقال ، كّيفَ لا يُبصِرُ صَغيرُها هذهِ الحيّاة ؟ ، وكَيفَ سَيعيشُ وسطَ
بحرٍ مِنَ السوادْ ؟ ،َكيفَ لا يرى النورَ بعينيهِ اللوزِيتينِ الجَميلتين ؟ ،
وَكيف ؟ وَكيفَ ؟ وكَيف ؟



(3)

تعايشَتْ مع وضعِ ابنها ، كانتْ له عينيه اللتينِ يُبصِرُ بهما ، و المُحفِزْ الذي يَدفعهُ
للأمام ، كانتْ الأمُ والرفيقَةُ والمُعَلِمَة ، تكونُ معهُ طِفلةً شقية عُمرها كـ عُمرِه
تَلعب معه وتمرح ، وتكونُ في حينٍ آخر معلمته التي تُذاِكرُ له دروسه ، إلى جانِبِ
أنها أمهِ التي تَحنو عليه وتخففُ عنه وتضيئُ حياته المُعتِمَة
... و المُضيئَةُ بِها !



(4)

تتقاطَرُ الأيامُ سَريعا ً ، ويكبُرُ ذلِكَ الطِفل و يغدو شاباً في المَرحَلةِ الثانوية ، التَحق
بمدارسِ الأسوياء لأنهُ سويُ العقلِ والقَلبِ والروح ، تفوّقَ في دِراسَتِه وأظهرَ
نتائِجَ باهِرة ، يسألُه أصحابُه : " كَيفَ لكَ أنْ تتفوّق و أنت أعمى ؟ " و بالرغمِ
من وقعِ "أعمى" عليه إلا انه ابتسم و قال : "الله يأخذ و يعطي"



(5)

يتَخرَجُ مِنَ الجامِعَة بمرتبة الشَرَف ، الأولُ على الكُليَة و الأوّلُ على الجامِعة ، الأول
على كُلْ من شكك بقدراتِه و امكانياته ، يُلقي على الحُضور كلمة الخريجين ، ترقبه
أمه من بعيد وهي تَبكي ، أيُ فخرٍ هُوَ شعورها تِلكَ اللحظة و أيُ سعادَة ، كانَ آخرُ
ما قاله في كَلمَتِه تِلكْ : " إنَّ لي أماً لو لمْ تَكُنْ أمي ، لما وقفتُ أمامكم اليَوم ، شُكرا لا تفي حقكِ جنتي "



الأربعاء، 27 مارس 2013

مَعتُوهْ !

.....
هَربَ عن أعينِ الخَلق ليَبكي وَحده ، وَ حينَ اكتَفى كَفكَف دُموعه وأشخَصَ بصَره في الفَراغ و هَمس لقلبِه : " شكراً ، قَدْ نَضجت "
هوَ في الحقيقةِ لم ينضُج و إنما صغُر عَشرةِ أعوام ؛ أمسى يلحقها من مكانٍ لآخَر وَ إنْ حلّ الصُبح ، يذهَبُ إلى المَقهى الذي دائماً ما تَرتادُه ! ... حيث تبدأ -كعادتها كل صباح- بقهوتها مع التحليقِ في فضاء كتاب،أما هو فيواري وجهه بصحيفة بين يديه،و بين الحين والآخر يصوّب نضراته نحوها ! ، وفي كُلِ مَرةٍ يلحقها فيه ، لم يخفَ عليها زَوجُ أعينِهِ وهوَ يُراقِبُها، وكانتْ قد جَزَمَتْ بأنها فَترةٌ وييأسُ بعدها ويكُفَّ عنِ اللحاقِ بها ، لكن خابَ ظنها ، حُبه العَميقِ المَكنونُ في قَلبِهِ لها يوقِدُ ما بهِ من عَزيمَةٍ لمواصَلَة ما يَفعَله ، هوَ مُسيَّر من قِبَلِ قَلبِه ، ذَلِكَ القَلبِ الذي ابتُليَ بِحبِها ...
كردّة فعل منها ، تناولت هاتِفها و اتَصَلَت بِخطيبِها تدعوهُ لمشارَكتِهِ قهوتها الصباحية !
هي في حقيقة الأمر أرادت ان تقتل أي بصيصٍ للأمل في ذلك المُتخفي، هي تقدس الحب ولأنها كذلك لا تريد ان يتعلق بمن لا تبادله ذات الشعورَ ، لذّة الحُبِ تكمَنُ بينَ اثنينٍ يتبادلا الشُعورَ نَفسَهْ و هيَ لا تَكنُ لذَلِكَ الرابضَ على مَقربَةٍ منها أيٌ من مشاعِرِ المُحبين ... ! ، لأنها هيَ الأخرى قلبها مُعلَقٌ في حُبِ رَجُلٍ آخَر ، رَجُلٌ عَرَفتْ معه مَعنى ما يُسمى بالحُب وتشارَكَت معه لحظاتِه ، وتسامرا ليلاً وهما يرتلانِ ألفاظَ هذا الحُبِ و يتناولانِ حلاوَته .
بعدَها بِفَترَةٍ من الزّمن ، اقترب خطيبها منها بهندامِهِ الأنيق و ابتسامتهِ الساحِرَة التي اعتلت فاهه،وما إن رأته هيَ حتى ارتسمت ابتسامة مماثلة، وكلاهما يعلوهما الشعور نفسه ما ان يلتقيا ..
أمّا عن ذلكَ المُتخفي فتركَ الصحيفة جانباً -ما ان رآهُ مقبلاً نحوها - ، و قَلبَه المَغلي دفعه للتوجهِ نحوَه ، سارَ ناحِيَته مسلوبَ العَقل .. و مَخطوفَ الهُدى ؛ لكنْ ... توقف -فجأة- في منتصف طريقه عندما رآها تبتسم لغيره،شيئاً فشيئاً بدأ يستوعب حقيقة ما يدور حوله،نظر إليهِما بوجوم و حريق بداخله تستعر ، وَ لإزالة ذَلِكَ الشُعور الغَريب الذي اجتَاحَهُ ، دَفعَ برجليهِ مُسرعاً نحوَ البَابِ ليَخرُج و هو قد أيقنَ -مُتأخِراً- انها لَم وَ لن تكونَ لَه ، لأنَّ قلبها لمْ يَختَره وإنما أشارَ بإصبَعِهِ نحوَ غَيرِهْ ، شعورٌ مُؤلمٌ وبَشِعٌ يعتَصِرُ فؤادَه ، يُذبِلُ كُلَ جَميلٍ فيه ، يَخنقه و يَسلب أنفاسَه و يُحيلُه لمَيِتٍ وهوَ حَيْ !
تَتابعت بَعدَها الأيام ، انغمَسَ في عمَله كَي يَنسى ، وَ هُو يتجرعُ عَلقَمَ بُعدها في كُل لحظَة يَمُرُ بهِ العُمرُ دُونَهَا ، أمَا هيِ فسعيدةٌ مَع منْ اختارته شريكاً لحياتِها و لقلبها وَ لمْ تأبَه !
وهوَ ما زالَ يُعاني ، قَلبُه المُخلِص ما زالَ وفياً لحبها ، لم يَفهَمْ أنها ولّتْ وللأبَدْ ، ولن يَفهَمَ إطلاقاً !