(1)
في السّاعَةِ الثانية صباحاً عجّ صراخُ ذَلِكَ الطِفلِ الأرجاءْ ، نَظرَتْ والدَتهُ إليه
وحبات العرقِ تتلألأ على جبينها كأنها أجرامُ الليل في حلكته ، وشحوبُ الموتى
انقضَّ على وجهها فافتَرسَ الإشراقَ الذي كانَ يشعُ منها ، و رغمَ التعبِ الذي
يَلفُها لم يمنعها ذلِكَ مِنَ الابتسام فرحاً بمقدَمِ أميرها الصَغير !
(2)
سقطتْ على رُكبتيها وهي تَمسَحُ على وجهها بِهَمٍ يجثُمُ على صَدرها ، عيناها
بدَت غيرَ مُصدِقَةً لِما يُقال ، كّيفَ لا يُبصِرُ صَغيرُها هذهِ الحيّاة ؟ ، وكَيفَ سَيعيشُ وسطَ
بحرٍ مِنَ السوادْ ؟ ،َكيفَ لا يرى النورَ بعينيهِ اللوزِيتينِ الجَميلتين ؟ ،
وَكيف ؟ وَكيفَ ؟ وكَيف ؟
(3)
تعايشَتْ مع وضعِ ابنها ، كانتْ له عينيه اللتينِ يُبصِرُ بهما ، و المُحفِزْ الذي يَدفعهُ
للأمام ، كانتْ الأمُ والرفيقَةُ والمُعَلِمَة ، تكونُ معهُ طِفلةً شقية عُمرها كـ عُمرِه
تَلعب معه وتمرح ، وتكونُ في حينٍ آخر معلمته التي تُذاِكرُ له دروسه ، إلى جانِبِ
أنها أمهِ التي تَحنو عليه وتخففُ عنه وتضيئُ حياته المُعتِمَة
... و المُضيئَةُ بِها !
(4)
تتقاطَرُ الأيامُ سَريعا ً ، ويكبُرُ ذلِكَ الطِفل و يغدو شاباً في المَرحَلةِ الثانوية ، التَحق
بمدارسِ الأسوياء لأنهُ سويُ العقلِ والقَلبِ والروح ، تفوّقَ في دِراسَتِه وأظهرَ
نتائِجَ باهِرة ، يسألُه أصحابُه : " كَيفَ لكَ أنْ تتفوّق و أنت أعمى ؟ " و بالرغمِ
من وقعِ "أعمى" عليه إلا انه ابتسم و قال : "الله يأخذ و يعطي"
(5)
يتَخرَجُ مِنَ الجامِعَة بمرتبة الشَرَف ، الأولُ على الكُليَة و الأوّلُ على الجامِعة ، الأول
على كُلْ من شكك بقدراتِه و امكانياته ، يُلقي على الحُضور كلمة الخريجين ، ترقبه
أمه من بعيد وهي تَبكي ، أيُ فخرٍ هُوَ شعورها تِلكَ اللحظة و أيُ سعادَة ، كانَ آخرُ
ما قاله في كَلمَتِه تِلكْ : " إنَّ لي أماً لو لمْ تَكُنْ أمي ، لما وقفتُ أمامكم اليَوم ، شُكرا لا تفي حقكِ جنتي "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق